المدخل | التعليق  الاسبوع  | الجديد في الاتجاهات  | افتتاحيات الصحف  | الاتصال بنا  | اشارات  | مقالات عبدالاله البياتي 

البعثيون السابقون
ان الهجمة الامريكية - الصهيونية الحالية لم يكن بامكانها ان تتوقع نجاحات كبيرة لولا استنادها الى حالة الضعف والهوان والتمزق التي اوصلتنا اليها قيادات الانظمة العربية الحالية،وان الصمود امام هذه الهجمة يتطلب، من جملة ما يتطلب ،تعبئة قوى الامة بنقد اخطاء وممارسات هذه الانظمة والتي على رأسها تغييب دور المواطنين وغياب الديموقراطية,وفي العراق حيث يتعرض شعبنا الى حملة ابادة جماعية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها يعود لشعب العراق بشكل مباشر تقرير كيفية مواجهة هذه الحملة وطريق الخروج من المحنة وذلك يتطلب اول ما يتطلب ان يقوم العراقيين بحرية بانتخاب ممثليهم لادارة شؤونهم وتحديد السياسات التي تنتهجها الحكومة وتوجيه ومراقبة ومحاسبة السلطة التي ينتخبونها لادارة الدولة
ان اجتهادات متعددة تصدر هنا و هناك تبحث في حال الامة وتعالج همومها وقضاياها,ومنها البيان الذي نشرته جريدة القدس العربي للجنة التحضيرية للحركة العربية الديموقراطية في العراق والذي ادانت فيه ممارسات الحزب الحاكم ودعت الى تحقيق الديموقراطية,ومهما كان رأينا في تفاصيل اجتهادات اللجنة التحضيرية وفي مستقبل جهودها فان قضية تحقيق الديموقراطية في العراق قد اصبحت وبشكل ملح منذ حرب الخليج الثانية مطلبا لا ينبغي ولا يمكن المماطلة فيه تحت اي مبرر اذ على تحقيقه يتوقف حاضر و مستقبل العراق والمنطقة,
لقد انتظرنا طويلا ان تسرع قيادة الحكم بنفسها بعد حرب الخليج اولا الى نبذ سياسات الصراع مع الدول العربية والاسلامية المجاورة وثانيا ان تسعى بصدق الى دمقرطة الحياة في الدولة والمجتمع وتحقيق المصالحة والوفاق الوطني وانهاء حكم المخابرات فعن هذا الطريق فقط يمكن تشجيع الدول المجاورة على كسر الحصار ويمكن عزل سياسة الولايات المتحدة وبريطانيا
* لقد انتطرنا ان تقوم اجهزة الحزب الحاكم بادانة الحروب ضد الاكراد والحرب مع ايران والقطيعة مع سوريا وان تدين احتلال الكويت وان تشجب حملات الاضطهاد المتعاقبة ضد الشيوعيين والناصريين والمجاميع الاسلامية من الشيعة والسنة وان تتوقف عن اضطهاد و ابعاد الكوادر القيادية البعثية القديمة من ابناء بغداد في الاعظمية والكرادة الشرقية والكرخ ومن ابناء سامراء والدليم والناصرية والفرات الاوسط والنجف وديالىوكركوك والموصل والبصرة والدور وتكريت
باختصار لقد انتطرنا ان تدين قيادة الحزب الحاكم اخطائها وممارساتها السابقة وان تهجر نظرية الحزب القائد والرئيس القائد التي ادت، اينما مورست، الى الطلاق بين الدولة والمجتمع والى تمزيق المجتمع وانعزال السلطة و انهيار الدولة، وان تكون جنبا الى جنب مع كل الوطنيين العراقيين لتعبئة المواطنين في المعركة ضد الحصار التي كانت سياساتها العامل الرئيسي في نجاح الولايات المتحدة في فرضه على العراق,
وفي هذا الاطار تتمتع مبادرة اللجنة التحضيرية ،كالمبادرات الاخرى المطالبة بالديموقراطية، باهمية بالغة لانها تصدر عن شخصيات واكبت الحيا ة السياسية في العراق عشرات السنين ولانها لا شك تعكس مطامح واراء الكثيرين في الدولة والمجتمع في العراق
ولكن،في وقت لم يبق هناك طرف في داخل العراق وخارجه ،وحتى في اوساط الحزب الحاكم ،لا يعتبر الديموقراطية طريقا لخروج العراق من محنته ،فان هذه المبادرة لا تتمتع برضاء السيد سالم الواسطي ،كما جاء في رده في جريدة القدس العربي، اذ انه يعتبر الكلام عن الديموقراطية مجرد معزوفة وبدلا من الرد على اطروحات الداعين للديموقراطية ،يعتمد السيد الواسطي على فكرة بسيطة ومبسطة فيقول، على لسان الدكتور الوردي، "اعطني معارضة صالحة اعطك حكومة صالحة" , وكل مقالته هي مجموعة من الاهانات، بواسطة تعميمات واستنتاجات ومعلومات كاذبة او ناقصة او مضللة، لاطراف متعددة في الحركة الوطنية العراقية فالسادة السفراء، حسب رأيه، يدينون بمراكزهم السياسية للرئيس صدام حسين وكان عليهم ان يستقيلوا اذا كانوا يختلفون مع الحكم كما هو العرف في اسرائيل ولكن عندما يستقيلون فانه يعزي هذه الاستقالة لاسباب شخصية ومصلحية ،وهو يقرر ان البعثيين السابقين جميعا وافقوا على نظرية الحزب الواحد في السلطة في 1963 ولذا فانه يستنتج ان الحزب الحاكم اكثر ديموقراطية منهم لانه يتبنى نظرية الحزب القائد، وهو يلمح ان الحزب الشيوعي قد هجر النضال ورضى بالسعادة في السويد وبريطانيا وحسب رأيه فان مجموعة القيادة المركزية هي تعبير عن الشارع العراقي الغوغائي، اما الوسط المعتدل الديموقراطي ،كما يقول ،فلا وجود له بمثل هذه الانطباعات التي لا وجود لها الا في رأس السيد الواسطي يتوصل ببساطة انه ليس بالامكان احسن مما كان وان الكلام عن الديموقراطية هي مجرد معزوفة لها علاقة بالنشاطات الامريكية ثم يبدأ بتهديد المعارضين دون ان يقول باسم من
لا اريد الدفاع عن السادة السفراء لانهم الاقدر على الاجابة اذا ما وجدوا ان في مقالة السيد الواسطي مايستحق الرد ولكننا نعلم جميعا ان الكثير من السفراء المقصودين في المقالة وفي مقدمتهم الاستاذ عبدالستار الدوري والاستاذ صلاح عمر العلي والاستاذ صفاء الفلكي كانوا من العاملين في حزب البعث في العراق قبل ان يكون الرئيس صدام حسين عضوا عاملا في الحزب ولا يمكن ان يدينوا له بثقلهم السياسي لانهم لم ينتظروا 1968 ليكون لهم مسيرتهم وتاريخهم الخاص ولا اريد الدفاع عن الحزب الشيوعي ومجموعة القيادة المركزية التي انفصلت عنه اذ يكفي معرفة اعداد الشهداء الشيوعيين الذين سقطوا في نضالات شعبنا الوطنية لمعرفة ان جذورهم في العراق لن تنتهي بمعيشة بعض الكوادر في الخارج
ولكني اجد نفسي مضطرا للدفاع عن المئات بل والالاف من البعثيين السابقين الذي زور السيد الواسطي ،عن جهل ،مواقفهم وارائهم, وحرصا على الايجاز ومتطلبات السلامة لن ادكر الا المجاميع الرئيسية وشخصياتها المعروفة فمن هم البعثيين السابقين؟
حسب علمي فان اول مجموعة ابعدت عن حزب البعث هي مجموعة المحامي حسن سعيد قدوري والدكتور احمد حسين الربيعي في سنة 1957 وكانت مجموعة ناصرية تؤكد على اهمية الاسلام بالنسبة للعروبة في الفترة بين 1960 و1963 انشقت عدة مجاميع ناصرية الاتجاه وكان اولها مجموعة الدكتور حقي اسماعيل حقي ثم تبعتها مجاميع اخرى كمجموعة المرحوم فؤاد الركابي سكرتير الحزب سابقا ،ومن ابرز شخصيات هذه المجموعة الاستاذ عبدالله الركابي ومجموعة الاستاذ اياد سعيد ثابت عضو القيادة القطرية سابقا ومن بين شخصياتها السيدة ابتسام محمد سعيد و الدكتور وميض عمر نظمي والاستاذ نظمي اوجي والمرحوم علي نهاد والاستاذ قاسم الاوسي
ومجموعة استاذنا الدكتور خالد علي الصالح الدليمي عضو القيادة القطرية في العهد الملكي ومن ابرز مناضليها حتى اعتقاله في 1959
وفي اواخر سنة 1961 انشقت عن الحزب مجموعة الكادحين العرب اليسارية بقيادة الشهيدة هناء الشيباني مسؤولة التنطيم النسوي وعبدالاله البياتي، كاتب هذه الرسالة، وقيادة مكتب العمال والدكتور حبيب الدوري عضو فرع بغداد واخرين, وبدون الكلام عن من تعاطف مع اطروحاتها الفكرية والسياسية فان من بين من عمل في صفوفها في البدء المرحوم سعيد الرهيمي والاستاذ جعفر الدرازي والاستاذ قيس السامرائي والدكتور وثاب السعدي والشخصية الوطنية المعروفة طارق الدليمي واكثرية قادة التنطيمات العمالية واخرين من اعضاء حزب البعث في تلك الفترة
ثم ابعدت من القيادة القومية مجموعة فيصل حبيب الخيزران -عبدالوهاب شميطلي -غسان شرارة-عبدالرحمن منيف لاتجاها اليساري وتقاربها مع اطروحات استاذنا الكبير اكرم الحوراني وكانت الاطروحات التي تقول بحكم العمال والفلاحين والمثقفين تحت قيادة حزب البعث في المؤتمر السادس تستهدف تصفية افكار هذه المجموعة وتبرير الارهاب الذي مورس ضد الشيوعيين والناصريين واليساريين في العراق وسوريا واغلبية من عمل في هذه المجاميع الناصرية واليسارية لم تعد لها علاقة بسياسات وممارسات حزب البعث منذ ذلك الحين بل وان من نشط منها في العراق تعرض للملاحقة والاعتقال والتعذيب في فترة 1963 وما بعد تموز 1968
بعد انقسام القيادة القطرية في تشرين 1964 ما بين جناحي حازم جواد-طالب شبيب وجناح علي الصالح السعدي-هاني الفكيكي-محسن الشيخ راضي تشكلت لجنة تنظيم القطر لاعادة تنظيم الحزب في العراق باستقلال عن القيادة السابقة ومن بين الشخصيات التي نشطت فيها المرحوم مؤيد الصفار و المحامي عبدالمحسن العذاري على ما اعرف ولكنها لم تستطع منع الحزب من الانقسام الى اربعة اقسام رئيسية المجموعة التي انظمت الى المنظمة الثورية العمالية وريثة مجموعة الكادحين العرب والتي كانت بقيادة الشخصية - الوطنية المعروفة الاستاذ درع ظاهر السعد
-مجموعة البعث اليساري التي كانت ترفض الموالاة لميشيل عفلق كما ترفض الموالاة لعلي الصالح السعدي -مجموعة حزب العمال العربي الثوري
-مجموعة كريم الشيخلي-صدام حسين الموالية للقيادة القومية بقيادة ميشيل عفلق وكانت مدعومة من الرئيس احمد حسن البكر ومجموعته العسكرية والمدنية
بعد انشقاق القيادة القطرية في سوريا واستلامها للحكم في 1966 في سوريا حدث اصطفاف جديد فقد تكون في العراق تنظيمين كل يسمي نفسه حزب البعث العربي الاشتراكي ومن ابرز الشخصيات البعثية القديمة التي لجأت الى سوريا في تنطيم للقيادة القومية في سوريا ، الدكتور فاضل الانصاري والدكتور فؤاد شاكر الراوي والمرحوم احمد العزاوي والمرحوم عدنان الجبوري والاستاذ فوزي الراوي والاستاذ عبدالجبار الكبيسي اما في العراق فقد كشفت لجان هذا التنظيم بعد تموز 1968بعد اعتقال خالد كريم البياتي عضو القيادة
وكما هو واضح فان المئات بل والالاف قد شاركوا في كل هذه الانشقاقات والصراعات ولكل مسيرته وتاريخه وتجربته وان المئات بل والالاف قد انفضوا عن حزب البعث او عن النضال السياسي من خلال هذه الصراعات ولا ندري كيف يسمح السيد الواسطي لنفسه بتزوير مواقف كل هؤلاء البشر ان لم يكن جاهلا بتاريخ البعثيين السابقين
لقد بينت مذكرات استاذنا الكبير اكرم الحوراني كيف ارتبطت نضالات حركة التحرر العربية في المشرق منذ الخمسينات بنضالات واحلام ومواقف قدامى البعثيين وكيف ان تحالفهم مع الشيوعيين في الخمسينات قد احبط المؤامرات الاستعمارية التي تعرضت لها بلداننا ,كما بينت كيف ان التقارب بين الناصريين والبعثيين قد انجز للامة العربية وحدة مصر وسوريا،هذه الوحدة التي شكلت مهما كانت اخطائها ونواقصها نقلة نوعية في النضال العربي ستظل منارا للاجيال القادمة وكيف ان الخلافات بين الشيوعيين والبعثيين والناصريين قد قادت حركة التحرر العربية الى التعثر و التمزق والضعف والهوان
ان البعثيين السابقين في العراق هم الذين كانوا في صفوف حزب البعث وخصوصا قبل 1963ولم يعودوا اعضاء فيه او انصارا له ,انهم هؤلاء الذين حملوا احلام الامة في التحرر والوحدة والديموقراطية والاشتراكية في مرحلة من المراحل,منهم من استشهد اومات ومنهم من انزوى ,منهم من غادر العراق ومنهم من لا زال فيه, منهم من تدرج في السلك الوظيفي ومنهم من ظل عاملا بسيطا, منهم من استمر بهذا الشكل او ذاك في العمل السياسي ومنهم من لم يستطع ,منهم من ظل يحلم بوحدة عربية ديموقراطية تقدمية ومنهم من كفر.كل ما نستطيع قوله ان لهم جميعا الحق، ككل ابناء العراق ،في التفكير والتعبير والتنظيم وهم ليسوا بحاجة الى تزكية اجهزة الاعلام والمخابرات للبحث في قضايا وهموم الامة فلقد عاشوا نضالاتها بنجاحاتها واخفاقاتها وهم الاقدر الى جانب الوطنيين الاخرين على نقد وتحليل اخطاء وممارسات الانظمة العربية وعلى راسها تغييب دور المواطنين وغياب الديموقراطية
عبدالاله البياتي
باريس -14 تموز 1999
4

نشر في جريدة القدس العربي